"العقول الصغيرة تتناقش مع الأشخاص ،والعقول المتوسطة تتناقش مع الأشياء ،والعقول الكبيرة فأنها تتناقش مع المبادئ"
"مثل صينى"

الجمعة، 17 أكتوبر 2008

ايزيس واوزوريس

العلاقة وثيقة جدا بين اجمل واروع اسطورة عرفها التاريخ المصري القديم، عن اشهر زوجين اسطوريين عاشقين.. وبين نهر النيل!ما هي حقا حكاية اسطورة ايزيس واوزيريس؟لتعرف اذن ان ايزيس هي ارض مصر الحانية الطيبة.. اما اوزيريس زوجها، فهو الفيضان الدافق الخصب الذي يأتي اليها بالخير والخصوبة والازدهار.ولعلنا نعلم ايضا ان اسم ايزيس يعني 'العرش' ولذا فهي تتوج رأسها دائما بشكل يمثله.ولقد عرف عن الربة ايزيس انها الام العالمية، وروح الكون كله، ولقد استعانت ايزيس بكل طاقتها الالهية ومقدرتها السحرية (وفقا للأسطورة طبعا) لكي تعيد الحياة إلي زوجها اوزيريس الذي اغتاله اخوه الشرير 'ست' وبذلت هذه الزوجة العاشقة لزوجها اقصي ما في وسعها لكي يتولي ابنهما 'حورس' العرش من بعد ابيه الملك اوزيريس..

أسطورة أوزيريس، العائد من الموت
يحكيها أوزيريس بنفسه
كان جدي الأكبر، الإله الأعظم "رَعْ" المتمثل في وجه الشمس المشرقة يخشى من أن يثمرَ زواج حفيديه "نَتْ" إلهة السماء، و"جِبْ" إله الأرض، أن يثمرَ استمراراً لسلالة الآلهة، وكان يرى بحكمته اللا متناهية أن هذه السلالة ستنبثق عن إلهٍ من صلبه ينازعه في ملكوت الكون.فكان أن حرّم على حفيدته "نت" أن تلد طفلاً ما خلال أيام السنة الثلاثمائة والستين (360) كما كان تعداد السنين في وقتها، فلجأت والدتي "نت" إلى صديقها الحكيم "توت" إله العلوم واللغات، الذي أراد إيجاد طريقة ما تمكن "نت" من الإنجاب دون التسبب بغضب العظيم "رع"، فكان أن لجأ إلى "سيلينا" إلهة القمر التي تعكس نور "رع" في غيابه وراهنها على حزمٍ من ضوئها إن هو تغلب عليها، فاستطاع جمعَ ما يعادلُ الضوءَ المنسكب في خمس ليالٍ قمريّة لنفسه ولا زالت "سيلينا" إلى اليوم تعاني من آثار هذه الخسارة فلا تملك القدرة على الإشراق بنفس القدر من القوة طوال الشهر.وأضاف "توت" هذه الأيام الخمسة بين نهاية وبداية كل سنة، وولدتني "نت" في أول ليلة منها، وكانت ولادة ابني "حُورَس" لاحقاً تصادف الليلة الثانية، ثم كانت ولادة شقيقي "سِتّ" إله الشر في الليلة الثالثة ومن ثَمّ تبعتها ولادةُ كلٍ من "إيزيس" زوجتي ومخلصتي إلهة الخصب والأمومة في الليلة الرابعة وشقيقتها "نِبّوت" زوجة "سِت" في آخر الليالي، وهكذا تمكنت والدتي "نت" من إنجاب السلالة التي أرادت دون الخروج عن أمر الإله الأعظم "رع" الذي باركَ أبناءَهَا، وضمّن السنةَ الأيامَ الخمسةَ قبل أن يغادر الأرض إلى السماء تاركاً ملكها لأعظم أحفادهِ شأناً ألا وهو "أوزيريس"، ونُوْدِيَ في كل المعابد يومَ ولادتي أنه قد وُلِدَ اليوم ملكُ الملوك وإله الخير لهذه البشرية.

كما هو مُقدّر، تزوجتُ من ملكة الفتنة وإلهة الخصوبة والزرع "إيزيس"، وكانتِ البشرية في حالٍ يُرثى لها من قتالٍ وكراهيةٍ عمّت أرضَ النيل، ولم يكن هناك من أثرٍ لحضارة ما أو رقيّ ملموس في حال الشعوب.واستطاعت "إيزيس" بحكمتها الموروثة أن تتعلم الاسم الأعظم للإله "رع" فحازت منه ملكية أرواح البشر جميعاً وسرها، ومُنحت قوة سحرية عظيمة دأبت على تسخيرها في خدمة البشرية التي تقطن أرض النيل، فأحضرت القمح والشعير من أراضٍ بعيدة وعلمتهم زراعتها وإمدادها بالمياه من النيل الوفير وصنعت لهم قنوات الريّ، وكيف يحصدونها ويصنعون منها الخبز، وعلمتهم تجفيف الحبوب واعتصار الخمر من العنب وسمّيت لهم أسماء الحيوانات التي لا ضيرَ عليهم في أكل لحومها، ثم وضعتُ لهم القوانين وأرخيتُ بينهم سلام الإنسانية، وتعلموا كتابة الأشعار والغناء وصناعة السعادة.ولم أكن على القدر الكافي من الحيطة لأعلم أن أخي "ست" الذي تزوج من شقيقتي "نِبّوت" يضمر لي الشر والخطيئة، وأن الحسد الأعمى يتصاعد في قلبه المظلم كالجحيم - مملكتُهُ - كلما صادفتُ نجاحاً أكتسبُ به محبةً أكبر في قلوب البشر، وحتى يومَ عودتي من إرساء السلام في الأراضي البعيدة كان "ست" أول من استقبلني بالحفاوة البالغة وسنّ الركوع أمام أقدامي من قِبَلِ الآلهة الباقية، ولهذا لم ألتفت لشكوك وتحذيرات زوجي "إيزيس" حوله.

كان "سِتّ" يعمل بخبثٍ ودهاءٍ عظيمين بحثاً عن وسيلة تضمن له التخلص مني طَمَعاً في الجلوس على عرشي، فاستطاع الحصول على مقاييس جسدي ثم صنع تابوتاً نادراً من خشب الأبنوس والسدر الذين لا ينبتان في أرضِ النيل وطعّمَهُ بالذهب والفضة والعاج، صنعه مناسباً لمقاييسي بدقة كبيرة، ثم أقام مأدبة فاخرة على شرفي ضمّت اثنين وسبعين من أعوانه ورفاقه في مؤامرةٍ لم تشهد لها الدنيا مثيلاً.في تلكِ الليلة، أغرَقَنَا "ست" بأغلى وأرقى أصناف الطعامِ والشراب وعزفت من القِيان والجواري أجمل الجميلات، ثم أحضر التابوت فسحر به أنظارنا، ولما تأكد من انجذابنا جميعاً إلى جماله وعظيم صنعه ودقة تفصيله أعلنها : أنّ مَن يرقد في هذا التابوت فيناسبه طولاً وعرضاً، أصبح له. فهبّ الجميع واحداً تلوَ الآخر لتجربته، ولكن أنّى يفوزُ به أحدهم وهو قد صُنع خصيصاً لي؟ فلما فشلوا جميعاً في الفوز بالتابوت دعاني "ست" إلى تجربته، وما أن رقدت فيه وأرحت فيه جسدي للحظة حتى همس : إنه يناسبكَ تماماً، وجديرٌ به أن يلازمك إلى الأبد! وأغلق الغطاء بقوة وختمه بالحديد وكذلك سدّ جميع الثغرات في التابوت بالمعدن الثقيل، ولما تأكد من إحكامه سارع ورفاقه بإلقائي في نهر النيل بكل الحقد الطاغي في قلوبهم.عندها غادرتني الروح باتجاه الغرب إلى أرض الحساب، ولم أستطع تجاوزها إلى جنتنا "أمينتي" لأن جسدي لم يعثر على راحته بعد، وأبحر التابوت شمالاً في مياه النيل حتى الدلتا ثم غادره إلى البحر الأعظم ولم يتوقف إلا على شاطئٍ قربَ مدينة "بيبلوس" تحت إمارة الملك "مَالْكانْدِر" وزوجته "أسْتَارْت" تحت جذور شجرةٍ عظيمة سرعان ما نمت أغصانها حول التابوت ليختفي في جوفها.وكان الملك "مالكاندر" وزوجته في رحلة إلى ذلك الشاطئ وأُعجب بعِظَمِ الشجرة وتشعبها فأمر بقطعها وحملها إلى قصره وجسدي لا يزال مسجّىً داخل جذعها.

رُغمَ أن أحداً لم يخبر "إيزيس" بمقتلي إلا أنها استشعرت ما لم يطمئنها في غيابي المفاجئ، فعمدت إلى "حورَس" طفلنا الصغير وربيب الإله الأعظم "رع" وخاضت معه مستنقعات دلتا النيل حتى وصلت إلى جزيرة الإلهة "بوتو" فعهدت إليها به، ثم نسفت قواعد الجزيرة لتغادر مكانها فلا يعلم أحدٌ أين أصبحَ "حورَس"، وما أن اطمأنت عليه حتى شرعت "إيزيس" في عملية بحثٍ مضنية في أرجاء الكون عنّي، عن زوجها ومليكها المفقود دون دلالةٍ ما أو إشارة.تكللت بالفشل تلك الرحلة، وعادت أدراجها تحاذي النيل الأعظم مستاءةً تكاد تفقد الأمل، وصارت تسأل هذا وذاك ممن تمر بهم من بني البشر خشية أن تصاب باليأس فكان أن أشار بعض الصبية الذين مرت بهم إلى مرور صندوق منذ زمن يشبه الذي تصفه لهم عبر مياه النيل، فأسرعت "إيزيس" تسابق أمواجه متتبعة إشارات الأطفال والمارة على ضفته حتى علمَت أن التابوت خرج إلى البحر فأخذت تبحث في الشواطئ هائمةً حتى أعياها التعب فاهتدت إلى أحد الشواطئ لتريح جسدها المنهك وكان شاطئ "بيبلوس" نفسه، وهناك التقت بفتياتٍ من القصر كنّ يستحممن فعلمتهنّ طريقة عمل (الضفائر) بشعورهنّ، ولما عُدنَ إلى القصر لفتنَ انتباه الملكة "أستارت" فدللنها على "إيزيس"، واستدعتها الملكة لتقوم على رعاية ابنيها دون أن تعرف هويتها الحقيقية.شُغِفَت "إيزيس" بحب الطفل الأصغر فأحبت أن تمنحه الخلود بنزع الجزء القابل للموت من جسده البشري، ولإتمام ذلك كان عليها إرقاده كل ليلة في نار عظيمة وتلاوة التعاويذ، فشاهدتها الملكة في إحدى الليالي فصرخت جزعة مما يحدث لابنها مما أبطل مفعول السحر الذي كانت تجريه "إيزيس" مما حدا بها للكشف عن هويتها الحقيقية لتطمئن القلوب من حولها، واحتفالاً بها أمر الملك "مالكاندر" بجمع الهدايا التي تليق بها من أنحاء البلاد لكنها أبت إلا الحصول على الشجرة العظيمة بما حَوَت، وكان لها ذلك فأخرجت تابوتي من داخل الجذع وخرّت عليه باكية، وأصبحت الشجرة فيما بعد ذات مكانة قدسية عالية في "بيبلوس".أعد الملك سفينة ضخمة لـ"إيزيس" لتقلّها إلى أرض النيل ضمن موكبٍ حاشد، ورافقها ابنه الأكبر حتى أوصلها بأمان إلى الدلتا لتأخذ الإله الأصغر "حورس" وتعود بنا إلى الديار.

كانت "إيزيس" قد خبّأت التابوت من ضوء القمر بين سيقان النباتات حتى تعود بالصغير "حورس"، فشاءت الأقدار أن يخرج "ست" في رحلة للصيد في الدلتا ليفاجأ بالتماع الذهب والفضة أمام عينيه، كانت الصدمة أقسى مما يحتمل فجنّ جنونه وأخرج جسدي من التابوت وشرع في تقطيعه بلا رحمة إلى أربعة عشر جزءاً ثم نثرها بكل ما أوتي من قوة في المياه راجياً أن تأكلها التماسيح وهو يصرخ : لم يجرؤ أحدٌ على فعل هذا بأحد الآلهة، أنا "ست" أول من يفعلها!عندما عادت "إيزيس" المخلصة بـ"حورس" علمت بالحادثة، فأسرعت تبحث في رمال الصحراء عن أجزاء الجسد تحرسها سبعة عقارب مقدسة، ولما لم يفلح بحثها صنعت مركباً من ورق البردى وخاضت به غمار المستنقعات، وأمامها تراجعت تماسيح النيل احتراماً للآلهة ولم تقترب حتى من أطرافي المتناثرة، فجمعت "إيزيس" بعد عناءٍ وجهدٍ عظيمَين ثلاثة عشر جزءاً ولم تستطع العثور على الأخير، ثم بواسطة سحرها وقوتها المستمدة من قوة الإله الأعظم "رع" تمكنت من إعادة جمع الأجزاء في جسد واحد وعوّضت الجزء المفقود، وعندما انتهت عَمَدت إلى تحنيط الجثة ودفنها كما يليق في معبد لا يعلم بوجوده إلا هي، ثم قامت بتشييد ثلاثة عشر معبداً في أرجاء البلاد وأوحت أن أجزاء الجسد دفنت في هذه المعابد حتى تدفع أذى "ست" عنّي.

كانت المشكلة الأكبر أن روحي لا تزال معلقة في أرض الحساب ولم تنتقل بعد إلى الجنة، لا زال شقيقي "ست" إله الشر يعيث فساداً، ولا بد من ردعه. وكان "حورس" يكبر في ظل عناية فائقة وحرص شديد من والدته "إيزيس" وجده الأكبر "رع"، واشتد عوده شيئاً فشيئاً ونمت معه رغبة الانتقام لأبيه وتعاظمت، وكان طيفي قد اعتاد زيارته بين الفينة والأخرى والتحدث معه حتى لمستُ اكتماله واستعداده لخوض المعركة الكبرى مع عمّه "ست"، فهيأنا له جيشاً عرمرماً قاده إلى جانبه الإله الأعظم "رع" بنفسه وانطلقا إلى جنوب البلاد حيث معقل "ست" وأعوانه، وواجههما من الأهوال ما لا يطاق ابتداءً بإصابة "حورس" بالعمى من لعنة تسبب بها "ست" وشفائه على يد "رع" ومن ثم انقلابُ مياه النيل عليهم وحجب السماء بغيومٍ شديدة الحلكة، غير أن صمود "حورس" الشجاع اضطر "ست" إلى مواجهته على أرض المعركة فتشكل له بشكل وحشٍ ناريّ كبير أصاب البقية الباقية مع ابني بالرهبة والخوف فتخلوا عنه، لكن "حورس" عاجله بضربة قاضية من رمحٍ جبار كان يحمله في يده لتغادر روح "ست" أخيراً ذلك الجسد إلى أرض الحساب، وفور وقوع الوحش صريعاً خرّ أتباعه أمام عظمة "حورس" وأعلنوا التأييد المطلق لحاكم البلاد الجديد.عندها فقط، تمكنت من المغادرة إلى جنتنا "أمينتي" ومن ثم نُصبتُ ملكاً على عالم الأرواح أو ما يسمّونه بالعالم السفلي ونفيت روح "ست" مخذولةً إلى الصحراء البعيدة. واعتاد ملوك البلاد من بعدها أن يأمروا بدفنهم بعد موتهم بنفس طريقة "إيزيس" حتى يسهل عبورهم إلى أرض الحساب ومن ثم إلى جواري، وكان في ذلك النعيم الأكبر لهم.ولا زالت الأسطورة تقول أن المعركة لم تنتهِ بعد بين "حورس" و"ست" وأنها ستأتي في يومٍ ما يقضي فيه "ست" تماماً ويختفي كل شر الدنيا معه وأعود أنا إلى جسدي وبجوار زوجي "إيزيس" سيداً للآلهة.